السبت، 28 ديسمبر 2013

الحلقه المفرغه


 نظرت الى طفلتها ذات الثلاث سنوات ، كانت منهمكه فى أكل ثمرة البندوره بنهم فلم تلحط تلك النظره فى عين أمها ، نظره حب وحنين تلتها نظره تعجب , فلقد تذكرت كم أحبت البندوره هى الأخرى, وتذكرت تلك الأيام فى منزل والدها وقد علّقت هذه الثمره المسكينه بين فكيها وعيناها معلقتان على شاشه التلفاز تماماً كما تفعل طفلتها الآن , وأنتابتها الدهشه نحو هذا التكرار المُذهل والفريد, فكأن الجينات التى تسافر عبر الأجيال لا تحمل معها صفات جسديه وحسب بل تحمل أيضاً بين ثناياها مشاعر الحب والكره والغيره وغيرها من المشاعر الإنسانيه , وكأن الزمان يعيد نفسه بحنكه ودقه تثيران الإعجاب والفضول ليحافظ بذلك على استمراره_ فنحن كثمار البندوره نتكرر ونتشابه ولكن يبقى لكل منّا طعمه الخاص_ , وتسارعت دقات قلبها وشعرت بخوف يتسلل إليها عندما تنبهت إلى هذه السرعه الجنونيه التى تمر بها الاحداث ,ف بالأمس هى طفله واليوم هى أًم لطفله أخرى وفى الغد قد لايكون لها وجود على متن هذه السفينه التى لا يعلم مرساها الا الله , ورأت صوراً لكل من تعرفهم ممن غادرو السفينه وتساءلت بتنهيده حاره : ترى اين انتم الان ؟

سؤال, جوابه الوحيد التجربه الشخصيه وازداد خوفها حينما أحست أن نهايه الرحله تقترب يوما بعد يوم بسرعه مخيفه , ومع هذا فهى أبعد ما تكون عن خيالها , فالروتين اليومى وكثره الاعمال والاعتناء بطفلتها وزوجها أنسوها النهايه الحتميه وصارت لا تتذكرها إلا كلما رأت تلك الطرق و الأزقه التى ترتكها الأيام على وجه أمها الكهله ...وتمتم صوت بداخلها : يوجد فى هذه الحياه حقيقتان مطلقتان لا ثالث لهما.. الله ولقاءه.. ومع ذلك ننغمس فى تفاصيل الحياه الفانيه ..فنضحك ملىء افواهنا ونبكى ملىء اعيننا ونصرخ ملىء قلوبنا وننسى اننا على سفر وحتماً ستأتى جهة الوصول ... وصرخت.. أين انا من كل هذا وأين ذهبت كل تلك الاعوام , يُسرع الزمن وانا بعد لم أستطع حفظ ملامح وجه امى جيداً , ولم أُخبر رفيقى بكل ما أكنه بداخلى له من مشاعر , ولم أصفف شعر ابنتى كما اردت دائماً , ولم أعلم بعد ما هو المعنى الحقيقى للسعاده , ولم ولم ولم .... وانسابت دمعه على وجنتها .. حينها تنبهت طفلتها وسألتها عن سبب الدموع ....ووجدت للسؤال اُلفه بداخلها_ فلطالما القت هى الاخرى على والدتها السؤال نفسه_ إكتفت بإبتسامه صامته كما كانت تفعل والدتها وبداخلها اجاب الصوت " ستخبرك تجربتك الشخصيه "
هدى كمال 

الجمعة، 29 نوفمبر 2013

خطاب لمجهول

طلت من شرفه غرفتها , حين داعبت وجهها نسمات الهواء العليله...جلست الى جوار المزهريه فاختلط عبيرها بعبير الورود التى بها  .. ونظرت الى السماء ,كانت صافيه ونقيه ينير اركانها بدر التمام ... اخذت تتامله وانتابها  هذا الشعور الغريب الذى يتملكها كلما نظرت اليه , مزيج من الوحده والاشتياق وبعض الشجن .. وفى اوراقها كتبت احرفا مبعثره وخواطر حائره  اشبه بخطاب لمجهول عشق الرحيل :                                              
سلام عليك ... أ تشعر كم هو مؤلم هذا الغياب؟  .. فلو عانيت ما عانيت....وقاسيت ما قد لقيت .. وعلمت قدر ما لك اخفيت... لظللت عمرك عاكفا بمحرابى ... وسهرت ليلك رددت ابتهالاتى ...وبحثت عنى واجتهدت ..ونذرت عمرك كى تحظى ملاقاتى ...فانا البعيده و القريبه ...وانا المنازل والسكن ..دفء البيوت العامره ...مأوى العيون الساهره , مابين تلك وهذه هى حائره ... وانا جواب المسأله…
فأخبرنى يا زُبدَ الدعاء , لم كل هذا الجفاء... اتهوى العناء ؟ بعيدا ذهبت ... نسيت اللقاء....لأجلك اغلقت عينى وقلبى ..ءأغلقت انت ؟ لاجلك علقت رفضى بعنقى ... فهل بى اكتفيت ؟



لا تخشَ منى ...فلا لن الومك على ما مضى ... ولكن تعجل رفيقى فإنى خبأت روحى لترعاها  انت
هدى كمال 

الجمعة، 27 سبتمبر 2013

أعز الناس

تسعة أعوام أو مايزيد منذ أن تركت تلك العينان , وها هى  ذا تراهم  تارةً أَخرى ...لم تُغير كل هذه السنوات  ملامحه , كما لم تُغيرها , فلازالت تكسو قسمات وجهيهما هذه الملامح الطفوليه ... رأته وكأن غيابه مابين طرفه عين وانتباهتها ... هو كما هو ...هذا  ما حدثتها به  ملامحه  الهادئه الوديعه , ولكن ماذا عن ما هو ابعد من ذلك ... ماذا عن مالم تستطيع عيناها قرآته... ماذا عنه ..  لم تتعجب  حينما شعرت بإنها لا تهتم بمعرفه المزيد و لم يشغل بالها قرآه ما هو ابعد من ملامحه...لكن ما جعلها  تتعجب حقا هو أين اختفت تلك المشاعر ... واين ذهبت دقات قلبها المتسارعه ...ولماذا لم  تعد ترتجف يداها .... كل ما تبقى هو ابتسامه رزينه  ,لكنها من القلب , تحمل بين  ثناياها ذكريات من الماضى بنكهه الحنين ...فقط الحنين ..ولا غير ذلك .

ايقظها من غفوه الذكريات صوت العندليب وهو يغرد بكلمات اغنيه " أعز الناس" ... بالطبع ليست صدفه وانما هى تراتيب الاقدار , فلطالما تُحدِثنا الأقدار وتُخبِرنا بالأجوبه ولكن يعيها  فقط من يريد , مدت يدها وخطفت ورده جوريه  من على المنضده التى تجلس عليها , لا تعلم لماذا, ربما حتى لا تنسى هذه اللحظه ... قامت لتغادر ... ودّعها  بدوره بابتسامه حنونه , وقد علِما بإن ثمه ذكريات وإن تاهت فى زحام الحياه إلا انها لا تُنسى . 
هدى كمال 

الأحد، 8 سبتمبر 2013

الراحمون يرحمهم الله


مرت لحظات عبورى به سريعه ... تأملته لبضع ثوان  ثم انتهى الامر, لكنه لم يفارق خيالى طيله اليوم .
هو فرد كباقينا انا وانت ... قصه تمشى على ارجل وتكتب كلماتها الايام ... وهو ايضا له حياته الخاصه .. بداخله من الاوجاع مثل ما بداخلنا ...ويحمل من هموم الدنيا ما قد يزيد , تستطيع ان تقرأها بوضوح على قسمات وجهه  المتعب والتى تزينه ابتسامه منهكه  تتشبث بوجودها رغم العراقيل .
لا اراه  الا فى هذه الصوره , محنى القامه ,لا تفارق يداه هذه الادوات يميط بها الاذى عن الطريق وعن اعيننا ايضا  , ولكن ماذا عنه هو... من يميط عنه اوجاع الحياه ومشقه الكسب.
 كم رأيت من  ايدىٍ تمتد من ارقى المراكب لتلقى بما لا تحتاجه فى عرض الطريق بلا اكتراث ....وكلما رأيتهم ورأيته , ارتفعت هامته  فى عينى رُغما ًعن قامته المحنيه , وانحنت هاماتهم رُغماً عن قاماتهم الممشوقه ومراكبهم الفارهه ... كلنا بشر خُلِقنا ولنا مشاعر وبداخلنا قلب يخفق,  فرفقا ببعضنا البعض... فلا يوجد منا من هو من صلب وآخر من زجاج  ولنتذكر دائما بإن الراحمون يرحمهم الله
هدى كمال   

الخميس، 18 يوليو 2013

أخى



فى نهايه يوم شاق ,لم اعهد مثله منذ زمن , استقليت حافله العوده ...اسندت رأسى الى المقعد, وعندها بدأ سكان هذا الرأس المُتعب فى الاستيقاظ والتنبه ... افكارا من هنا وذكريات من هناك..صوراً لأماكن وربما لأشخاص, تسبح فى افلاكها وكأنها كواكب فى مجره ... يقتربون ويبتعدون عن بؤره تركيزى فتتضح واحده وتتلاشى الاخرى ....ثم تراءيت لى كَكوكب دُرِّي , وتساءلت..كم من العمر قضيناه سوياً ؟ اتعلم انت؟؟ .. عشرون عاما .. بكل احداثها , بكل افراحها وبكل اوجاعها ..عشرون عاما تقبع فى غياهب الذاكره وكأنها بكره فيلم سينيمائى بدأ عرضه للتو...ومع سرد شريط الفيلم ..تُسرد الذكريات .. واتذكر ...
تذكرت خطواتك الاولى وتلك الابتسامه التى لا تشوبها شائبه وكأنها خرجت من قلبك مباشره لثغرك ... تذكرت اولى كلماتك ...اول يوم لك بصحبتى فى مدرستنا الإبتدائيه ... تذكرت درَّاجتنا...امازلت تذكرها؟؟ عندما كان لدينا القدره بها على تحويل طلبات امى البسيطه من احياء مدينتنا الهادئه الى رحله بين الادغال أو ربما جوله فى مدينه الاشباح ...تذكرت مُزاحنا ,مشاجراتنا , احلامنا... وتذكرت أيضاً, والتمس لى العذر, ذلك اليوم الازرق رغم سطوع شمسه , البارد رغم سخونه هواءه ... يوم اصطفت المقاعد المُدهبه اسفل منزلنا وعُلِّقت الانوار الحزينه ... يوم رأيتك , وكنت فتىً صغيراً لا طاقه لك بحمل الاحزان , تحمل جثمان أبيك وتسير فى قافله وداعه الاخير وتجلس بين صفوف المُعزين...وكل هذا قبل اداءك لاختبار المرحله الثانويه بيومين اثنين .. كانت عيناى فى ذلك اليوم معلقتان عليك , تعتذر لك عن قسوه الايام وعن مرارتها...وتذكرت يوم عنّفتُك على عبثك واخطاءك ووعدتنى بألا تخذلنى , وها أنت ذا تفى بوعدك لى, تُدخِل السرور على بيتنا من جديد ومن قبلُ على قلبى.
والآن وقد اجتزنا هذا العمر معا وبقى لنا ما بقى من ضحكات وما علينا من دموع لا يعلمها الا الله , لا يسعنى الا ان اشكرك ..فأنا مدينةٌ لك بكل لحظه أدخلت فيها على قلبى السعاده ... بكل مره وثقت بى فيها ووقفت بجانبى ...وبكل شِدّه اخذتُ من عينيك فيها الثبات ... فشكرا لك يا حبيبى ...شكرا لك يا صديقى... شكرا لك يا رفيقى ... شكرا لك يا أخى... حَفِظَك اللهُ لى وكتبنى فى صفوف المسافرين اليه قبلك. 

هدى كمال 

الأحد، 30 يونيو 2013

ليله بلا قمر

فى شقه صغيره بالطابق الخامس بعقار متواضع وفى احد الاحياء المتوسطه بالقاهره العامره كانت تحاول العيش والتأقلم , كثيره التبرم ..تشكو دائما فقر الحياه, وضيق الحال ...وكثيرا ما القت بهذه الاشياء والتى تراها ذنوبا لا تُغتفر على عاتقِ هذا الزوج الكادح المثابر الذى لم يكن اقل منها ألماً ومعاناه ولكنه قلما كان يشكو أو يتأفف... تجده صامتا حالما امام كثره انتقادها وقنوطها , فتحسبه ضعفا وانما هو فى حقيقه الامر كجُبٍ عميق مليىء بالصبر والثبات  .
فى ظهر يوم رتيب كباقى ايامها ... وفى احد اركان المنزل رن الهاتف ..رفعت السماعه لتجده _وعلى غير العاده_ زوجها يخبرها بإن عمه قد توفاه الله وبإن عليه الذهاب للبلده لحضور مراسم الدفن والعزاء واوصاها على نفسها كثيرا ....القت بالسماعه على الهاتف دون اكتراث وكلها خيبه أمل فقد ظنت أنه سيعفيها من عمل الغداء وسيحضره معه او سيفاجئها مثلما فاجىء بطل فيلم الامس حبيبته ...تمتمت ببضع كلمات ترثى بها حظها وذهبت لتكمل ماكانت تفعله ... مر بعض الوقت وعلى الحائط كانت ساعه منهكه القوى ولكنها تعمل بلا توقف _كدأب رب منزلها_ تعلن الرابعه عصرا ..واذ  بها دون ان تشعر تنتظره ليفتح باب المنزل ويتغنى صوته باسمها ...ثم  تذكرت انه لن يأتى كعادته ..ولن تسمع صوته اليوم ,ووجدت راحتها فى ذلك فهو لم يكن ابدا ذلك الفتى التى طالما حلمت به وان حياتها معه لم تكن الحياه التى كانت ترنو اليها وانها به او بدونه لن تغنم او تفقد الكثير.
جلست تتناول الغداء...واذا  بكسره خبز تقفز من يدها لتذكرها بالمرات التى حدث فيها مثل هذا وكان هو فى كل مره يسارع بالتقاطها ويضعها فى فمها وهو يقول "" هكذا احب ان اتصدق"" ....انتهت من طعامها وذهبت لتعد الشاى ..وفى المطبخ وقعت عيناها على كوبه الذى اعتاد ان يشرب فيه ملقى على الرف ...انتابها شعور لم تستطع تفسيره وكأنه الحنين  ولكنها سرعان ما ضحكت وقالت لنفسها  "استغلى الوقت فسيأتى حتما ويملأه بالشاى ويملأ راسك ايضا بمغامراته الممله ,  فلتستمتعى ببعض الهدوء"" ....  فرغ كوبها ومرت ساعه تلو الاخرى...اسدل الليل ستائره والقاهره لم تعد عامره والصمت اصبح السيد ..وجلست تنتظره...هى قلقه نعم , هذا امر عادى فهو زوجها وعائلها الوحيد ...ولكن, كلما مرت الدقائق كانت تكتشف ان القلق اصبح يغالبه شعوربالحنين والاشتياق له ولكل ماكان يفعله سواء احبته او لم تحبه ...وفجأه ..سمعت وقع اقدام على السلم , وجدت قدماها يهرولان الى الباب وقلبها يهمس ""لقد عاد"" وانتظرت ليفتح هو الباب..لكنه لم يفعل ..فقد كان جارها فى الشقه المقابله .
عادت لتجلس وتنتظر...وروادتها الشكوك ...اين ذهب...ولماذا هاتفه مغلق ...شعرت ولاول مره بخوف اسود يتسلل الى داخلها_كليله بلا قمر_   يحبس انفاسها ...ورأته امامها  ...فهنا كان يجلس ويرتشف شاى العصر ..وهنا يقرأ الجريده فى هدوء وصمت ..وهنا كان يفترش الارض ليصلى ويرتل .. وهنا تماما  كان يقص عليها احداث يومه ... واكتشفت ان تراتيله التى ظنت انها تحول دون  نومها كانت بمثابه مرفأ أمان وان حكاياته التى طالما سئمت منها , كانت تكسر صمت ليلها وتؤنس وحدتها الموحشه ...ولم تشعر الا بدموعها تتساقط وهى تردد : ترى اين انت يا مؤنسى وحبيبى !!
انتشتلها من امواج الخوف والحنين رنات الهاتف...نظرت الى الساعه ...كانت تشير الى الحاديه عشر ..ترددت كثيرا قبل ان تجيب ولكنها حسمت امرها ورفعت السماعه ... نعم انه هو ..صوته الذى اعاد اليها الحياه وكانها تسمعه للمره الاولى ...بدا لها كالفارس يمحى بسيفه كل آثار الخوف والظلام والوحده  التى سكنتها ..كان يطمئنها على نفسه ويعتذر لها عن تأخره ويخبرها ان ثمه ظروف سيرويها لها فيما بعد حدثت له وانه مضطر للمبيت فى البلده وسيأتى باكرا ...انهت المكالمه واحتضنت السماعه وهى تتنفس الصعداء ...حمدت الله كثيرا انه بخير وذهبت الى فراشها وامسكت بمعصم قميصه وهى تحدثه _وكأنه شخص حى يستمع اليها ويعى ماتقول_ :  ""فلتطمئن ... سيأتى صاحبنا فى الصباح "" 
هدى كمال 

الجمعة، 7 يونيو 2013

اللقاء الاول


هى لا تستهويها القراءه , ربما إن قررت يوما ان تقرأ كتابا او روايه  تسبقها اناملها للصفحات الاخيره لمعرفه  نهايات الامور.. تسرعا كان او فضولا زائدا , لا يهم فالكل يصب فى عدم احتمال متابعه الاحداث ومن ثم عدم القراءه . كتبت لها الاقدار يوما لقاء لكنه من نوع خاص..هناك بعيدا فى محطه القطار التى تفصلها عن بلدتها عشرات الكيلو مترات,  ومن باب التسليه فقط لا غير قررت القاء نظره على المكتبه الصغيره الكائنه بالمحطه ... وقع نظرها على كتيب ايقظ اسمه فيها الفضول وجدت نفسها وهى التى لم تنفق قرشا واحدا على كتاب تدفع ثمنه بدون تفكير ... وعلى مقعدها فى القطار اخذت تقرأ...ولكن هذه المره كانت مختلفه ..فاجئتها  الكلمات بوقع اجمل من اجمل الالحان.. ومتعه كمتابعه الفيلم المفضل بل واكثر..وتسليه اكثر من الثرثره مع الاصدقاء ..وتتتابع الاحرف ومع كل حرف تسقط فى بحر عميق .. تتقاذفها الكلمات وتنتشلها المعانى ..ياللروعه!! وما كل هذا ؟؟
 كانت قد ظنت ان الحياه تلخصت فى القطار والمنزل والعمل وما بهم  من افراد  .. ولكنها وجدت اخيرا ضالتها التى طالما بحثت عنها ..ابحرت فيما وراء الافق وطارت بعيدا صوب النجوم .. قابلت روحها متجسده امامها فى اسطر .. إنه السر الذى طالما تساءلت  عنه فى نفسها وراودتها فيه الشكوك  لكن لم  تجروء ان تبوح بسؤلها لكائن كان .. وجدت نفسها تضع قدميها على اول الطريق.. طريق المعرفه ..وما ادراك ما المعرفه ..انها الحقيقه  الكونيه وسر الوجود ..ذلك الاطمئنان والامن الذى يجتاحك ويكسوك مجرد ان تفكر به .. الصوت الذى يخبرك دائما انك لست وحيدا وانك  حتما ستقابل اولئك من جاءوا  قبلك بالآف السنين ومن سيأتوا بعدك ان كنت تسائلت يوما عن تلك الامم ..اللغه التى تتحدث بها كل الكائنات وتبوح لك بأسرارها فقط ان انصت واردت ذلك ...لغه التوحيد ..فبهذه اللغه تخبرك كل الاشياء دائما عنه وعن وجوده وتحدثك عن هذا الجمال الذى لا يضاهيه جمال وعن الحسن والكرم والعطاء .ولأول  مره شعرت به بداخلها يملاؤها ويحتلها , شعور عجيب يتخللها كالسحر..سجود بلا جوارح .. وصلاه بلا تراتيل...نحيب بلا صوت.. وبكاء بلا ادمع  ... وادركت اخيرا معنى كلمه , كثيرا ما رددتها بلاشعور و ملأت بها خانات الاوراق الرسميه ..انها التسليم...التسليم بلا اهانه والخضوع بغير ذل والطاعه بعد الرضا ..وتيقنت انها  ليست هى وحدها من اسلم وانما اسلم قبلها من فى السماوات والارض طوعا وكرها  وكم كانت سعيده انها واخيرا تشارك القمر والشمس والانجم والصالحين ممن سبقوها وممن سيأتو ولن تراهم  الطاعه والتسليم فبذلك هى ابدا لم تعد وحيده.  
كان هذا اللقاء بمثابه النور لعينيها ...لم تسأل لم؟ او كيف؟ فقد آمنت بقوله تعالى " يهدى الله لنوره من يشاء" واعتبرت يوم لقائها مع هذا الكتاب هو يومها الاول و ميلادها الثانى وتمنت ان لا يفارقها ابدا هذا الشعور الرائع بالانس والطمأنينه ووجدت لسانها يتمتم دون ان تشعر  " ألا بذكر الله تطمئن القلوب"    
هدى كمال 

الأحد، 5 مايو 2013

ما وراء الكلمات


ها انا ذا أفتح عينى من جديد  بعد ان غازلتها اشعه دافئه كخيوط الحرير تغزلها الشمس خارج نافذه غرفتى فهى وكعادتها  افاقت قبلى ,اصوات العصافير على الشجيرات المتناثره فى فناء مدرسه مقابله اختلطت مع اصوات طلابها ... يبدو لى ان الجميع افاق ..الجميع استقبل يومه وعلىَّ ان استقبله انا الاخرى.
 ضيف جديد,تُرى اتحمل امل جديد ام حزن جديد؟ (سألت يومى قبل ان افتح له النافذه) ,ولبرهه من الزمن انتظرت الاجابه ..وكأنى ارى من احادثه رأى العين ..عندها رسمت شفتاى ابتسامه ساخره  وكأنها توقظ عقلى من غفوته ,وقررت اخيرا ان استقبل ضيفى.
 لم يكن استقباله بالامر الصعب فلقد استقبلت قبله ضيوفا كُثر على مدار خمس وعشرون عاما مضت ,لكن وصدقا كان لكل ضيف طعمه الخاص وطقوسه الخاصه ايضا.
كنت قد تعلمت قليلا من ضيوفى السابقين ان اتكلم لغتهم ...تلك اللغه الغامضه , لغه ما وراء الكلمات , اللغه التى تخاطبنى بها مرآتى فى كل مره انظر اليها وفى كل مره تبوح لى بسر يختلف عن سابقه , اللغه التى تهمس لى بها كأسى وانا ارتشف شاى الصباح, اللغه التى تقنعنى بها قطعه مخصصه من ملابسى بإن ارتديها هى وبالتحديد فى هذا اليوم.. من المؤكد ان هذه ليست صدف عابره فكل الاشياء تعمل بخطه ممنهجه تحكمها قوى خفيه قليل مننا يعلم بوجودها وقليل القليل من يجيد العمل بها ,اسماها اجدادى " المكتوب" واسميتها انا لغه الاشاره.
_انه يوم الاحد( همست لنفسى), كان على ان اذهب لحفل دُعيت اليه من قِبل احدى زميلاتى المقربات.. ساعات قلائل وانتهى كل شىء وعند خروجى استوقفتنى زميله اخرى_ تفاجأت بوجودها, لم تكن من المدعوين وانما أتت بها الصدفه_  لتخبرنى بأن ثمه مشكله  وانه يتوجب على ان اتفحص امرى لعلى اكون من الناجين.
 آه كنت قد نسيت هذه المسأله تماما.. فلماذا الان؟ وفى هذه الظروف اتذكرها؟ وبهذا الاسلوب المخيف؟ _ هذه لغه إذاً لمن يسمع ويعى_.
  فكرت كثيرا قبل ان أتحرى الامر فبهذه الملابس لا احب ان أستقبل جديد الاخبار , ولكنى صدعت لاوامر ضيفى وأمّنت على إشاراته وقررت ان اذهب واتفقد الامر....لأجدنى فى ورطه حقيقيه  !!
_شكرا ضيفى العزيز الآن وقد اوتيت سؤلى .. ها هو حزن جديد .
عدت لمنزلى وكلى أسى وألم .. هاهى مشكله جديده تدق بابى لم تكن ابدا بالحسبان ..حدقت بسقف الغرفه .. ترى ماذا عساى ان افعل ؟..استرقت السمع علّى اجد ردا او افهم اشاره...وإذ بالعنايه الإلهيه  تتغمدنى ...تلك القوى الخفيه التى تحرك الاشياء ...و اتانى الرد هذه المره من هاتفى الذى كان يحمل لى اشاره جديده   اشاره كانت كفيله بان تربط على قلبى و تسعد لى يومى هذا وايام عديده متتاليه.... ولكن ...اكان كل هذا ردا على سؤلى ام لانى ذهبت لهذا المكان فى هذا اليوم بالتحديد ليجمعنى بفتاه لم اكن اتوقع وجودها  لتذكرنى بأمر نسيته تماما,ام انها فى واقع الامر كلمات كونيه واشارات تُتـْبع !   ...على اى حال فقد زاد ايمانى بلغه ضيوفى واصبحت اكثر حرصا على الاستماع لها  واخبرنى ضيفى الاخير وقتها انه دائما ما توصف الامور بخواتيمها. 
هدى كمال  

الأربعاء، 27 مارس 2013

خلف أسوار مدينتنا



صغيره هى تلك المدينه, انها اشبه بقريه متمدنه ...شوارعها لا تتعدى أصابع اليد الواحده...منازل  معظمها بالطوب اللبن  ...ووجوه مألوفه جدا... و...(هو) .
(هو )ذلك الشاب الهادىء ..معتدل القامه رشيقها....صاحب البدله الميرى والعيون الساحره  يخطو بين منازل قريتنا ....ومن خلف النوافذ ...اراهم جيدا وكأنى معهم هناك.....يتابعون باعين مترقبه ويتنهدون بانفاس  تذيب الحديد...ويمر (هو) مرور الغزلان ...واثق الخطى والنظره
كان اشبه بقصه دافئه  لجدتى فى برد شتاء قارص , فالحديث عنه لم يكن أقل سحرا وتشويقا من قصص جنيات البحر. (هو) لم يقطن ابدا تلك المدينه _وإن كان منزله احد منازلها _ لكنه  يأتيها  زائرا ولا يلبث أن يتركها ويعود من حيث أتى , فهو كطيور الهجره وزهور الربيع وأمطار الشتاء ...ياتيها عابرا وعبيرا.
 حينما بدأت أدرك الاشياء من حولى , كان( هو) ينظر إلىَ عبر صوره حائط على جدار بيتنا الصغير وكأن هذه الصوره هى نافذه على العالم الواسع الذى يأتى منه ويعود اليه _لم أنسى قط ولن أنسى هذه النظره ما حييت _ كنت اختلس أوقات خلو الغرفه وأجلس معه وأحدثه عبر تلك النافذه  ,فكنت حقا اشتاق إليه , وعن أحلامى ,ف (هو) كان فارسها الاول والاخير.
ولأن لكل قصه نهايه , كان لزاما ًعليه ان يضع النهايه  , فاختارمن بين النهايات ابسطها  ورحل( هو) عن عالمه الواسع ورحل أيضا عن بيتنا الصغير تاركا لى نافذته على الجدار ... واختار اخيرا ان يرسى بسفينته الجامحه  فى تلك المدينه ,مدينتنا ,  ولكن هذه المره  خلف  اسوارها  مع من سبقوه وسبقونا ... ليبقى دائماً وابداً مهما أبتعدت  وأينما ذهبت  جزء من قلبى ينبض هناك... خلف أسوار مدينتنا

          هدى كمال


الاثنين، 25 مارس 2013

هرمت أمى















بيضاء هى فى لون زهره الياسمين، تزين وجهها حمرة فتصير كورده جوريه عانقت ياسمينه طيبه الرائحه عطره ، خضراء العيون وحاده النظره.
لم يكتب لها ربى أن تنال حظا من الحنان بين قسمات وجهها ، ولكنها نالت حظا وافرا منه فى ثنايا قلبها هذا القلب , الطيب , النقى الذى لم يعرف قط الحقد ولا اظنه حمل يوما كرها لاحد.
عهدتها شابه ، مليئه بالنشاط ، لطالما كانت هكذا, مفعمه بالحيويه ، لديها حب شديد وملحوظ للنظافه .هى تنظف باستمرار ، فى كل وقت , فى اى حين ، تتفاجىء بها تحت قدميك تلتقط كسره من الخبز تناثرت اثناء تناولك الطعام.
هى تلك المرأه التى لاتتهاون مطلقا فى ترتيب ونظافه منزلها , تنزعج وتنتفض لرؤيه  "نمله وحيده تعيسه "  تسير على ارض بيتها  ،  تلاحظ دائما خطوط اصابعها على الالواح الزجاجيه منتهكه حرمه الاتربه الراقده عليها  لتصنع بذلك علامات تذكرنى بتلك التى فوق  اوراق النوت الموسيقيه _هذا فقط إن وجدت يوما اتربه على تلك الالواح _.
نعم, هى أمى ...تلك المرأه ..شديده القسوه ..شديده الحنان . المرأه التى لم انظر لها يوما على انها امرأه .
سكنت دائما تلافيف عقلى فى صوره صرح ضخم...جبل صامد!... او ربما مارد عملاق لا يهز كيانه كائنه كنت اقول لنفسى, اتظنين ان تشيخ هذه السيده ؟؟ .. حتى ولو اصبح عمرها الف عام ؟؟؟ .
قضت زهره شبابها وربيع عمرها فى قضاء حوائجى واخوتى, لم تكل يوم , لم تقنط , لم تعتزل او تتقاعص عن خدمتنا .
لم يسمح لى الحظ ان ارث من جمالها الكثير , ولكنى كنت الاقرب منها دائما ,او ربما ظننت انا ذلك ..اوربما  اعطتنى هى هذا الشعور ..لست ادرى , ولكنى مقتنعه بانى الاقرب لقلبها , كنت دائما انا المدلـله و المرفهه .
جرت العاده انه عندما اغضب وسواء كنت انا المذنبه او المجنى عليها ،  ان اذهب لغرفتى واعتزلهم ...قليلا من الدموع و الامتناع عن الطعام , ثم لا يلبث ان يمر  وقت قصير جدا الا واسمع وقع اقدامها , هذه الخطى السريعه المتوتره والحاده , التى تلخص شخصيتها ، تقترب من غرفتى ..أقرب فأقرب...أوضح فأوضح، ارى مقبض الباب يتحرك , ادير وجهى ..اغمض عيناى واغط فى ثبات عميق وكأننى واحده من اصحاب الكهف .
تقترب منى , تلمسنى _ تلك اللمسه الحنونه وكانها قطعه من الجنه تركها الله لاهل الارض لتعينهم على الحياه _. ويدور الحديث:
_ماذا تريدون منى .                                                                                            
_لماذا لم تتناولى الطعام ...هيا يا هديه (هكذا كانت تدللنى دائما )  ...هيا معى.
_لا لااريد الطعام ولا محادثه احد .                                                     
هكذا، ويظل الحديث بين الشد والجذب، والاخذ والعطاء , الى ان تضع قبله ذات طابع خاص على وجنتى وتجذبنى معها بالقوه  .                                                                                           
ذات يوم تشاجرت مع أخى ...غضبت ...وكعادتى ذهبت لغرفتى واغلقت الباب ,وانتظرت ....الوقت يمر ....لم اسمع وقع الخطوات ...ولم تاتى الياسمينه البيضاء, وانتظرت وانتظرت ...لكن  ,  لم تاتى امى , لم تجذبنى من يدى , لم تقبلنى .
حينها تيقنت انه قد جاء اليوم الذى تمنيت طويلا الا يأتى والذى لم اؤمن بوجوده ...ذبلت الياسمينه ...وملأت ثنايا القلب الحنون الهموم واصبح لا يقوى على الشد والجذب و ...و...وهرمت أمى

            هدى كمال














الفراشه والنار


                   

حير كل العالم لغزا ....حبا من اشقى الانواع

حب من طرف لا اكثر.....اشبه بمكيده خداع

هى صاحبه الوجه الاجمل ....وجناحاها هما الابداع

هى دوما الطرف المُهدر....وهو دوما الطرف الاقدر ...انّى يتساوى الطرفان؟

الكل يراها رائعه ...رمزا لجمال الاكوان

لكن هى لا تبصر الا ...وهما وخيالا فتّان

قبحا مستترا فى وهجِ....نارا  تاكلها النيران

حين تراها ترقص فرحا ...تسعى سعيا..... ان تاخذها بالاحضان

لكن وكطبع النيران ..تاكل كل حميم دان

تحترق فراشتنا لوعا ...تتحول لرماد فان

وتعود القصه تتكرر...مع واحده تلو الاخرى ...وفراشتنا لازالت تؤمن ان الدفىء مع النيران

                                                         هدى كمال