الأحد، 30 يونيو 2013

ليله بلا قمر

فى شقه صغيره بالطابق الخامس بعقار متواضع وفى احد الاحياء المتوسطه بالقاهره العامره كانت تحاول العيش والتأقلم , كثيره التبرم ..تشكو دائما فقر الحياه, وضيق الحال ...وكثيرا ما القت بهذه الاشياء والتى تراها ذنوبا لا تُغتفر على عاتقِ هذا الزوج الكادح المثابر الذى لم يكن اقل منها ألماً ومعاناه ولكنه قلما كان يشكو أو يتأفف... تجده صامتا حالما امام كثره انتقادها وقنوطها , فتحسبه ضعفا وانما هو فى حقيقه الامر كجُبٍ عميق مليىء بالصبر والثبات  .
فى ظهر يوم رتيب كباقى ايامها ... وفى احد اركان المنزل رن الهاتف ..رفعت السماعه لتجده _وعلى غير العاده_ زوجها يخبرها بإن عمه قد توفاه الله وبإن عليه الذهاب للبلده لحضور مراسم الدفن والعزاء واوصاها على نفسها كثيرا ....القت بالسماعه على الهاتف دون اكتراث وكلها خيبه أمل فقد ظنت أنه سيعفيها من عمل الغداء وسيحضره معه او سيفاجئها مثلما فاجىء بطل فيلم الامس حبيبته ...تمتمت ببضع كلمات ترثى بها حظها وذهبت لتكمل ماكانت تفعله ... مر بعض الوقت وعلى الحائط كانت ساعه منهكه القوى ولكنها تعمل بلا توقف _كدأب رب منزلها_ تعلن الرابعه عصرا ..واذ  بها دون ان تشعر تنتظره ليفتح باب المنزل ويتغنى صوته باسمها ...ثم  تذكرت انه لن يأتى كعادته ..ولن تسمع صوته اليوم ,ووجدت راحتها فى ذلك فهو لم يكن ابدا ذلك الفتى التى طالما حلمت به وان حياتها معه لم تكن الحياه التى كانت ترنو اليها وانها به او بدونه لن تغنم او تفقد الكثير.
جلست تتناول الغداء...واذا  بكسره خبز تقفز من يدها لتذكرها بالمرات التى حدث فيها مثل هذا وكان هو فى كل مره يسارع بالتقاطها ويضعها فى فمها وهو يقول "" هكذا احب ان اتصدق"" ....انتهت من طعامها وذهبت لتعد الشاى ..وفى المطبخ وقعت عيناها على كوبه الذى اعتاد ان يشرب فيه ملقى على الرف ...انتابها شعور لم تستطع تفسيره وكأنه الحنين  ولكنها سرعان ما ضحكت وقالت لنفسها  "استغلى الوقت فسيأتى حتما ويملأه بالشاى ويملأ راسك ايضا بمغامراته الممله ,  فلتستمتعى ببعض الهدوء"" ....  فرغ كوبها ومرت ساعه تلو الاخرى...اسدل الليل ستائره والقاهره لم تعد عامره والصمت اصبح السيد ..وجلست تنتظره...هى قلقه نعم , هذا امر عادى فهو زوجها وعائلها الوحيد ...ولكن, كلما مرت الدقائق كانت تكتشف ان القلق اصبح يغالبه شعوربالحنين والاشتياق له ولكل ماكان يفعله سواء احبته او لم تحبه ...وفجأه ..سمعت وقع اقدام على السلم , وجدت قدماها يهرولان الى الباب وقلبها يهمس ""لقد عاد"" وانتظرت ليفتح هو الباب..لكنه لم يفعل ..فقد كان جارها فى الشقه المقابله .
عادت لتجلس وتنتظر...وروادتها الشكوك ...اين ذهب...ولماذا هاتفه مغلق ...شعرت ولاول مره بخوف اسود يتسلل الى داخلها_كليله بلا قمر_   يحبس انفاسها ...ورأته امامها  ...فهنا كان يجلس ويرتشف شاى العصر ..وهنا يقرأ الجريده فى هدوء وصمت ..وهنا كان يفترش الارض ليصلى ويرتل .. وهنا تماما  كان يقص عليها احداث يومه ... واكتشفت ان تراتيله التى ظنت انها تحول دون  نومها كانت بمثابه مرفأ أمان وان حكاياته التى طالما سئمت منها , كانت تكسر صمت ليلها وتؤنس وحدتها الموحشه ...ولم تشعر الا بدموعها تتساقط وهى تردد : ترى اين انت يا مؤنسى وحبيبى !!
انتشتلها من امواج الخوف والحنين رنات الهاتف...نظرت الى الساعه ...كانت تشير الى الحاديه عشر ..ترددت كثيرا قبل ان تجيب ولكنها حسمت امرها ورفعت السماعه ... نعم انه هو ..صوته الذى اعاد اليها الحياه وكانها تسمعه للمره الاولى ...بدا لها كالفارس يمحى بسيفه كل آثار الخوف والظلام والوحده  التى سكنتها ..كان يطمئنها على نفسه ويعتذر لها عن تأخره ويخبرها ان ثمه ظروف سيرويها لها فيما بعد حدثت له وانه مضطر للمبيت فى البلده وسيأتى باكرا ...انهت المكالمه واحتضنت السماعه وهى تتنفس الصعداء ...حمدت الله كثيرا انه بخير وذهبت الى فراشها وامسكت بمعصم قميصه وهى تحدثه _وكأنه شخص حى يستمع اليها ويعى ماتقول_ :  ""فلتطمئن ... سيأتى صاحبنا فى الصباح "" 
هدى كمال 

الجمعة، 7 يونيو 2013

اللقاء الاول


هى لا تستهويها القراءه , ربما إن قررت يوما ان تقرأ كتابا او روايه  تسبقها اناملها للصفحات الاخيره لمعرفه  نهايات الامور.. تسرعا كان او فضولا زائدا , لا يهم فالكل يصب فى عدم احتمال متابعه الاحداث ومن ثم عدم القراءه . كتبت لها الاقدار يوما لقاء لكنه من نوع خاص..هناك بعيدا فى محطه القطار التى تفصلها عن بلدتها عشرات الكيلو مترات,  ومن باب التسليه فقط لا غير قررت القاء نظره على المكتبه الصغيره الكائنه بالمحطه ... وقع نظرها على كتيب ايقظ اسمه فيها الفضول وجدت نفسها وهى التى لم تنفق قرشا واحدا على كتاب تدفع ثمنه بدون تفكير ... وعلى مقعدها فى القطار اخذت تقرأ...ولكن هذه المره كانت مختلفه ..فاجئتها  الكلمات بوقع اجمل من اجمل الالحان.. ومتعه كمتابعه الفيلم المفضل بل واكثر..وتسليه اكثر من الثرثره مع الاصدقاء ..وتتتابع الاحرف ومع كل حرف تسقط فى بحر عميق .. تتقاذفها الكلمات وتنتشلها المعانى ..ياللروعه!! وما كل هذا ؟؟
 كانت قد ظنت ان الحياه تلخصت فى القطار والمنزل والعمل وما بهم  من افراد  .. ولكنها وجدت اخيرا ضالتها التى طالما بحثت عنها ..ابحرت فيما وراء الافق وطارت بعيدا صوب النجوم .. قابلت روحها متجسده امامها فى اسطر .. إنه السر الذى طالما تساءلت  عنه فى نفسها وراودتها فيه الشكوك  لكن لم  تجروء ان تبوح بسؤلها لكائن كان .. وجدت نفسها تضع قدميها على اول الطريق.. طريق المعرفه ..وما ادراك ما المعرفه ..انها الحقيقه  الكونيه وسر الوجود ..ذلك الاطمئنان والامن الذى يجتاحك ويكسوك مجرد ان تفكر به .. الصوت الذى يخبرك دائما انك لست وحيدا وانك  حتما ستقابل اولئك من جاءوا  قبلك بالآف السنين ومن سيأتوا بعدك ان كنت تسائلت يوما عن تلك الامم ..اللغه التى تتحدث بها كل الكائنات وتبوح لك بأسرارها فقط ان انصت واردت ذلك ...لغه التوحيد ..فبهذه اللغه تخبرك كل الاشياء دائما عنه وعن وجوده وتحدثك عن هذا الجمال الذى لا يضاهيه جمال وعن الحسن والكرم والعطاء .ولأول  مره شعرت به بداخلها يملاؤها ويحتلها , شعور عجيب يتخللها كالسحر..سجود بلا جوارح .. وصلاه بلا تراتيل...نحيب بلا صوت.. وبكاء بلا ادمع  ... وادركت اخيرا معنى كلمه , كثيرا ما رددتها بلاشعور و ملأت بها خانات الاوراق الرسميه ..انها التسليم...التسليم بلا اهانه والخضوع بغير ذل والطاعه بعد الرضا ..وتيقنت انها  ليست هى وحدها من اسلم وانما اسلم قبلها من فى السماوات والارض طوعا وكرها  وكم كانت سعيده انها واخيرا تشارك القمر والشمس والانجم والصالحين ممن سبقوها وممن سيأتو ولن تراهم  الطاعه والتسليم فبذلك هى ابدا لم تعد وحيده.  
كان هذا اللقاء بمثابه النور لعينيها ...لم تسأل لم؟ او كيف؟ فقد آمنت بقوله تعالى " يهدى الله لنوره من يشاء" واعتبرت يوم لقائها مع هذا الكتاب هو يومها الاول و ميلادها الثانى وتمنت ان لا يفارقها ابدا هذا الشعور الرائع بالانس والطمأنينه ووجدت لسانها يتمتم دون ان تشعر  " ألا بذكر الله تطمئن القلوب"    
هدى كمال