الأربعاء، 27 مارس 2013

خلف أسوار مدينتنا



صغيره هى تلك المدينه, انها اشبه بقريه متمدنه ...شوارعها لا تتعدى أصابع اليد الواحده...منازل  معظمها بالطوب اللبن  ...ووجوه مألوفه جدا... و...(هو) .
(هو )ذلك الشاب الهادىء ..معتدل القامه رشيقها....صاحب البدله الميرى والعيون الساحره  يخطو بين منازل قريتنا ....ومن خلف النوافذ ...اراهم جيدا وكأنى معهم هناك.....يتابعون باعين مترقبه ويتنهدون بانفاس  تذيب الحديد...ويمر (هو) مرور الغزلان ...واثق الخطى والنظره
كان اشبه بقصه دافئه  لجدتى فى برد شتاء قارص , فالحديث عنه لم يكن أقل سحرا وتشويقا من قصص جنيات البحر. (هو) لم يقطن ابدا تلك المدينه _وإن كان منزله احد منازلها _ لكنه  يأتيها  زائرا ولا يلبث أن يتركها ويعود من حيث أتى , فهو كطيور الهجره وزهور الربيع وأمطار الشتاء ...ياتيها عابرا وعبيرا.
 حينما بدأت أدرك الاشياء من حولى , كان( هو) ينظر إلىَ عبر صوره حائط على جدار بيتنا الصغير وكأن هذه الصوره هى نافذه على العالم الواسع الذى يأتى منه ويعود اليه _لم أنسى قط ولن أنسى هذه النظره ما حييت _ كنت اختلس أوقات خلو الغرفه وأجلس معه وأحدثه عبر تلك النافذه  ,فكنت حقا اشتاق إليه , وعن أحلامى ,ف (هو) كان فارسها الاول والاخير.
ولأن لكل قصه نهايه , كان لزاما ًعليه ان يضع النهايه  , فاختارمن بين النهايات ابسطها  ورحل( هو) عن عالمه الواسع ورحل أيضا عن بيتنا الصغير تاركا لى نافذته على الجدار ... واختار اخيرا ان يرسى بسفينته الجامحه  فى تلك المدينه ,مدينتنا ,  ولكن هذه المره  خلف  اسوارها  مع من سبقوه وسبقونا ... ليبقى دائماً وابداً مهما أبتعدت  وأينما ذهبت  جزء من قلبى ينبض هناك... خلف أسوار مدينتنا

          هدى كمال


الاثنين، 25 مارس 2013

هرمت أمى















بيضاء هى فى لون زهره الياسمين، تزين وجهها حمرة فتصير كورده جوريه عانقت ياسمينه طيبه الرائحه عطره ، خضراء العيون وحاده النظره.
لم يكتب لها ربى أن تنال حظا من الحنان بين قسمات وجهها ، ولكنها نالت حظا وافرا منه فى ثنايا قلبها هذا القلب , الطيب , النقى الذى لم يعرف قط الحقد ولا اظنه حمل يوما كرها لاحد.
عهدتها شابه ، مليئه بالنشاط ، لطالما كانت هكذا, مفعمه بالحيويه ، لديها حب شديد وملحوظ للنظافه .هى تنظف باستمرار ، فى كل وقت , فى اى حين ، تتفاجىء بها تحت قدميك تلتقط كسره من الخبز تناثرت اثناء تناولك الطعام.
هى تلك المرأه التى لاتتهاون مطلقا فى ترتيب ونظافه منزلها , تنزعج وتنتفض لرؤيه  "نمله وحيده تعيسه "  تسير على ارض بيتها  ،  تلاحظ دائما خطوط اصابعها على الالواح الزجاجيه منتهكه حرمه الاتربه الراقده عليها  لتصنع بذلك علامات تذكرنى بتلك التى فوق  اوراق النوت الموسيقيه _هذا فقط إن وجدت يوما اتربه على تلك الالواح _.
نعم, هى أمى ...تلك المرأه ..شديده القسوه ..شديده الحنان . المرأه التى لم انظر لها يوما على انها امرأه .
سكنت دائما تلافيف عقلى فى صوره صرح ضخم...جبل صامد!... او ربما مارد عملاق لا يهز كيانه كائنه كنت اقول لنفسى, اتظنين ان تشيخ هذه السيده ؟؟ .. حتى ولو اصبح عمرها الف عام ؟؟؟ .
قضت زهره شبابها وربيع عمرها فى قضاء حوائجى واخوتى, لم تكل يوم , لم تقنط , لم تعتزل او تتقاعص عن خدمتنا .
لم يسمح لى الحظ ان ارث من جمالها الكثير , ولكنى كنت الاقرب منها دائما ,او ربما ظننت انا ذلك ..اوربما  اعطتنى هى هذا الشعور ..لست ادرى , ولكنى مقتنعه بانى الاقرب لقلبها , كنت دائما انا المدلـله و المرفهه .
جرت العاده انه عندما اغضب وسواء كنت انا المذنبه او المجنى عليها ،  ان اذهب لغرفتى واعتزلهم ...قليلا من الدموع و الامتناع عن الطعام , ثم لا يلبث ان يمر  وقت قصير جدا الا واسمع وقع اقدامها , هذه الخطى السريعه المتوتره والحاده , التى تلخص شخصيتها ، تقترب من غرفتى ..أقرب فأقرب...أوضح فأوضح، ارى مقبض الباب يتحرك , ادير وجهى ..اغمض عيناى واغط فى ثبات عميق وكأننى واحده من اصحاب الكهف .
تقترب منى , تلمسنى _ تلك اللمسه الحنونه وكانها قطعه من الجنه تركها الله لاهل الارض لتعينهم على الحياه _. ويدور الحديث:
_ماذا تريدون منى .                                                                                            
_لماذا لم تتناولى الطعام ...هيا يا هديه (هكذا كانت تدللنى دائما )  ...هيا معى.
_لا لااريد الطعام ولا محادثه احد .                                                     
هكذا، ويظل الحديث بين الشد والجذب، والاخذ والعطاء , الى ان تضع قبله ذات طابع خاص على وجنتى وتجذبنى معها بالقوه  .                                                                                           
ذات يوم تشاجرت مع أخى ...غضبت ...وكعادتى ذهبت لغرفتى واغلقت الباب ,وانتظرت ....الوقت يمر ....لم اسمع وقع الخطوات ...ولم تاتى الياسمينه البيضاء, وانتظرت وانتظرت ...لكن  ,  لم تاتى امى , لم تجذبنى من يدى , لم تقبلنى .
حينها تيقنت انه قد جاء اليوم الذى تمنيت طويلا الا يأتى والذى لم اؤمن بوجوده ...ذبلت الياسمينه ...وملأت ثنايا القلب الحنون الهموم واصبح لا يقوى على الشد والجذب و ...و...وهرمت أمى

            هدى كمال














الفراشه والنار


                   

حير كل العالم لغزا ....حبا من اشقى الانواع

حب من طرف لا اكثر.....اشبه بمكيده خداع

هى صاحبه الوجه الاجمل ....وجناحاها هما الابداع

هى دوما الطرف المُهدر....وهو دوما الطرف الاقدر ...انّى يتساوى الطرفان؟

الكل يراها رائعه ...رمزا لجمال الاكوان

لكن هى لا تبصر الا ...وهما وخيالا فتّان

قبحا مستترا فى وهجِ....نارا  تاكلها النيران

حين تراها ترقص فرحا ...تسعى سعيا..... ان تاخذها بالاحضان

لكن وكطبع النيران ..تاكل كل حميم دان

تحترق فراشتنا لوعا ...تتحول لرماد فان

وتعود القصه تتكرر...مع واحده تلو الاخرى ...وفراشتنا لازالت تؤمن ان الدفىء مع النيران

                                                         هدى كمال