الأحد، 12 أبريل 2015

الرقم (صفر)

جلست أمام المرآه لتضع اللمسات الاخيره وتضفى تلك اللمسه السحريه التى تضعها كل النساء قبل المغادره مباشره ... فتصبح كل منهن ساحره على طريقتها الخاصه ...تأملت تلك الخطوط حول عينيها وعلى جبينها وكأنها تراها للمره الاولى وتمتمت :
_لقد حدث كل هذا سريعا, سريعا جدا كطرفه عين وانتباهتها
ثم تذكرت ذلك اليوم حينما وقفت أمام موظفه بالاداره لاستخراج بيان وظيفى عندها وقعت عيناها على اسفل الورقه ... تاريخ التقاعد عام 2014 ...قرأتها بصوت مرتفع يومها وانتابتها موجه ضحك وتساءلت كم يلزم من الوقت ليأتى هذا العام ! قد لا يأتى فى الواقع.

بدأت موسيقى الكون فى العزف وكأنها موسيقى تصويريه لذلك الشريط الطويل من الاحداث الذى يمر امام عينيها ...نغمات ضحكاتهم البريئه,هناك فى كل أرجاء مدرسه الحور الابتدائيه  ورائحه عطر أبله( هناء) المميزه جدا... زي الإعدادى ... الإعدادى ,ذلك الجسر الواصل مابين براءه الطفوله وخجل الانوثه ... ضحكات الثانوى الخجوله وأستاذ ماهر الذى كان محط انظارجميع فتيات المدرسه الا هى .. فقد كانت عيناها دائما معلقتان على شباك ابن الجيران ..رائحه طبق العدس وإلتفاف الاسره حوله فى الشتاء ... فستان الزفاف ... بكاء أحمد اول اطفالها ... دموع وداع رفيق الدرب ....زفاف ابنتها سالى ... كم هائل من الذكريات ...وسؤال واحد لا يتغير ... كيف حدث كل هذا ... كيف مرت كل تلك السنوات.

" انا "لا ازال بقلب فتاه الثامنه عشر .. فى الحقيقه,  قد لا أتيقن أبدا ما أصبحت عليه الإ عندما يلقبنى أحدهم ب" أمى " فى المحال والمواصلات ..وتساءلت .. هل على ان أجزع ؟! هل من المفترض أن ابكى ؟ ...  أخذتْ نفسا عميقا واخرجته ببطىء لتُهدىء من حدة التوتر ثم اعادت صياغه السؤال .. ماهو مفهوم الارقام؟ ... كيف تسنى  للبشر حصر انفسهم فى أرقام ؟.. الحياه  متقلبه كبحر ... قد تظل عمرا بأكمله هادئه وتأتى رياح التغيير فو وقت بعيد وغير متوقع,  وتذكرت قصه الفتاه المحبطه التى صعدت على قمه جبل لتلقى بنفسها وعلى بعد خطوات قليله من مصيرها المحتوم تعثرب بحجر فانجرفت وصارت على حافه الهاويه ورأت الموت امامها, فجزعت وهرولت إلى الخلف وأدارت ظهرها وتراجعت عن قرارها .. كل هذا بسبب حجر تتقاذفه الارجل يوميا .... حجر عاجز عن النطق غير نظرتها فى آخر اللحظات .. و لم العجب؟ فالمعجزات تحدث دائما والرسائل تصل كل منا فى الوقت المناسب له تماما, سبق وأن حمى الحق سبحانه  رسوله بخيوط العنكبوت .. واختار ان ينزل الوحى على محمد بعد ان أتم اربعون عاما على الحياه بينما أنطق عيسى فى المهد وهو ابن ساعات.

قطبت جبينها كما لو انها تيقنت امرا هاما وتمتمت بداخلها , لقد جئنا للحياه كالرقم صفر ولكى نحافظ على ثباتنا بداخلها لابد ان نظل كما جئنا ,تماما كالرقم صفر,  هذا هو ضمان الثبات رغم انف السنين ... اياك وان تربط روحك, تلك النفحه الالهيه والنور الذاتى الذى يضىء ولو لم تمسسه نار, بأرقام ...أو أن تحصر نفسك فى عدد..فلينطلق كل منا  .. فليكسر  حاجز الزمان ... قد تحيا لسبعين عاما وتكون رسالتك المكلف بها فى عامك الواحد بعد السبعين ... عش دائما وكأنك على موعد مع القدر ولا تتردد فى ان تبدأ من جديد ما دامت النهايه لا ترضيك .. انه ليس من المتأخر ابدا ان تعيد النظر وتبدأ طالما اتيحت لك فرصه يوم جديد.
تنبهت الى صوت "أحمد" :
_أمى سنتأخر على موعدك
ابتسمت وعادت للحاضر ... مزقت ورقه امامها كانت تحمل بعض الكلمات المنمقه تودع بها زملاء العمل فى هذا اليوم ... يوم تقاعدها ..وهى تقول: لا داعى لكى الآن ... اصبحت اعلم جيدا ما على قوله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق